أيمن الزبير – إعلامي مغربي مقيم في إسبانيا
يعتبر الاقتصاد البرازيلي من أقوى اقتصادات العالم -التاسع حسب التصنيف الأخير- لكن الزائر لهذا البلد الجميل تثير انتباهه مشاهد البؤس و التباين الطبقي التي يسهل معاينتها في كل المدن. غير بعيد عن شاطئ “كوبا كبانا” في ريو دي جانيرو و الى جانب أبراج ساوباولو تنتصب أحياء عشوائية “فبيلاس” تحولت الى مادة دسمة لمختبرات الدراسات الاجتماعية و الاقتصادية.
قيل لنا في السنوات السابقة إن سياسات الرئيس السابق “لولا” ساهمت في تحسين حياة سكان هذه الأحياء المهمشة لكن تلك التقارير لا يمكن وصفها إلا بأضغاث الأحلام التي يتضح زيفها في مدن مثل ريو دي جانيرو التي دخلت في حالة إفلاس و شهدت ارتفاع مستويات الإجرام.
لن أتحدث عن حيثيات هذا الفشل الاقتصادي، هناك مراجع كثيرة تفسر سوء الإدارة و أسباب انتفاء العدالة الاجتماعية لكنني سأحدثكم بعجالة عن تداعيات هذا الفشل و تأثيره على الأمن العام ليس فقط في البرازيل و إنما أيضا في دول مثل بوليفيا، جمهورية الدومينيكان أو نيكاراغوا.
في تقريره السنوي أوضح معهد (Igarapé ) البرازيلي أن 80% من أعنف دول العالم توجد في أمريكا اللاتينية و هي النسبة التي يرجعها مدير المعهد، روبير موغاح، إلى ما وصفها بـ سياسات التهميش في المدن حيث يعيش أزيد من 111 مليون مواطن من دول أمريكا اللاتينية -مجموع سكان القارة 558 مليون- في الأحياء العشوائية بينما ترتفع ثروة الطبقات الميسورة بشكل مهول.
من هنا يستنتج التقرير أن الانفلات الأمني يرتبط بشكل مباشر بالتوسع العمراني الفوضوي و بغياب خدمات أساسية: (15% من سكان جمهورية الدومينيكان لا يتوفرون على الماء الصالح للشرب)، (18,1% من سكان نيكاراغوا لا يتوفرون على الكهرباء في بيوتهم)، (39% من سكان بوليفيا لا يتوفرون على شبكة الصرف الصحي).
قد يرى البعض المقارنة التي أريد إجراءها مجحفة أو سوداوية لكنها على الأقل ضرورية لدق ناقوس الخطر. كثر الحديث في الأشهر الأخيرة عن الانفلات الأمني في بعض مدننا بل هناك من أصبح يعتبر هذا الملف من أبرز المشاكل التي تقلق المواطن. نسب المجرمين، ننتقد الجواب الأمني و القضائي و لا نقف عند جذور هذا التحدي.
في مدينة مثل طنجة ثمة من يتحدث عن وجود نسبة تفوق 50٪ من الأحياء العشوائية، مناطق تم تشييدها بين عشية و ضحاها بعيدا عن تصاميم المدن العصرية.
في هذه الأحياء نجهل نسبة الهدر المدرسي و مستويات العطالة بل لا نعرف معدل الدخل الفردي و جودة الخدمات الأساسية. في الجانب الآخر ثمة سراب الأحياء العصرية التي تبدو وجدانيا بعيدة عن المناطق المهمشة لكن واقع الحال يثبت أن أمن هذه مرتبط بتحسن أوضاع الأخرى.
لا تخدعنكم الطمأنات و وعود الحلول الأمنية، فـ تجربة الدول التي تعاني من الانفلات الأمني تؤكد أن انتشار الشرطة في الشوارع وتشديد القوانين لم يأت بحلول ناجعة.
و في غياب العدالة الاجتماعية يتوسع الإجرام و تتعلم الطبقات الوسطى التعايش مع العنف و تزدهر شركات الأمن الخاصة لحماية الأغنياء. الحمد لله في بلادنا لا توجد أسلحة نارية و لا عصابات منظمة لكن “أول الحب نظرة” و لقد أعذر من أنذر.