أيمن الزبير إعلامي مغربي مقيم بمدريد
لم يكن بابلو إغليسياس قط مخلوقا من نور يوزع البركات و يحجب بأجنحته عيوبه و عيوب يسار تنهشه الطفولية أحيانا و طعنات الأصدقاء قبل الأعداء أحيانًا أخرى.
من ساحة الشمس حيث حاول الشبان الاسبان محاكاة ثورات الربيع العربي، برز صوت قائد نحيل سمى الأشياء بمسمياتها:
تحكمنا طغمة فاسدة نهبت موارد الاسبان، الديموقراطية في بلدنا غير مكتملة، و نظام سنة 1978 كان خدعة لتأمين مصالح الكنيسة و رجال الأعمال الفاسدين الذين احتموا بظل فرانكو لتحقيق مآربهم.
من هذه الفصاحة غرف ملايين الاسبان ما أرادوا و زعزعوا عرش أحزاب الترهل التي تعايشت مع ملكية لا تعرف الورع و باعت بلادها بالتقسيط المريح، لتتحول شبه الجزيرة الايبيرية الى حديقة أوروبا المفضلة حيث الشمس الرخيصة و العقارات المغرية لتفريغ كل أنواع المكبوتات.
كان الأمل في مدريد حيث تسلم الحزب مفاتيح البلدية محاولا نقل العاصمة الى قيم الحواضر الأوروبية العصرية. لكن الطريق الى “ايتاكا” لم يكن ابدا مفروشا بالورود و في حرارة السهول القشتالية تلاشت الوعود و استفاقت كل علل اليسار… مفاتن السرير المختلفة، خيانات الأصدقاء و هوس بعدسات القنوات الاسبانية التي وجدت لتدمر.
غادر بابلو رفيقة الدرب و حيه الشعبي لمجاورة أغنياء الضاحية، ثم تحول الى زائر معتاد لمحاكم مدريد التي نقبت عن كل صغيرة في حياته الخاصة و العامة. لكنه رغم ذلك واصل المشوار الى أن انتزع كرسي منصب نائب الرئيس لاصلاح ما يمكن اصلاحه، فكان أن رفع الحد الأدنى للأجور و وفر الغطاء الاجتماعي لملايين الاسبان الذين أنهكتهم الجائحة.
ثم قفز من الباخرة الكبيرة الى وادي مدريد النتن لمنع وصول أحفاد النازيين الى حكومة اقليمية اختارت الظلام.
خال بابلو أن شعار “no pasarán” كاف لاقناع سكان العاصمة بضرورة وقف زحف يمين حاقد و متطرف، لكنه في انتحاره هذا لم يقيم ربما أن “الشعب” يصبو فقط الى احتساء الجعة الباردة تحت شمس مايو و الحلم بشراء سيارة BMW.