عبد الحق الحطاب – باحث في الشؤون القانونية
عضو المركز المتوسطي للدراسات القانونية والقضائية
إن العلاقة المبنية على المواكبة والتعاقد والتشارك بين الجماعة والجهة والدولة وكذلك باقي الفاعلين في تدبير الشأن العام المحلي تتطلب أطرافا مؤثرة تتميز بكفاءتها وقدرتها على الإبداع في التدبير .
لكن هؤلاء الفاعلين وخاصة المنتخب الجماعي في غالبيتهم مايزالون أسرى لمجموعة من الإكراهات الذاتية والموضوعية وكذا القانونية التي تجعل مردوديتهم هزيلة ولا تواكب طموحات المواطن المحلي وانتظاراته وآماله في تحقيق التنمية الشاملة والمندمجة.
وبناء عليه، أصبح مفروضا عليهم القيام بإجراء مجموعة من التحولات الأساسية التي تقتضيها ممارسة التزاماتهم المؤسسية والاضطلاع بسيرورات التعاون والشراكة لضمان شرعية حقيقية داخل الشبكات المؤسساتية.
وإذا كان التدبير التشاركي يمثل آلية أساسية ومطلبا ملحا يفرض نفسه على جميع الفاعلين لتحقيق متطلب التدبير الجيد، فإنها في الوقت نفسه تشكل تحديا يصعب تحقيقه في ظل واقع الممارسة الجماعية المحلية الحالية. وبالتالي فإن إرساء هذه المقاربة وتفعيلها ينبني على الانخراط الكلي والجاد لمجموعة من الدعامات، إضافة إلى تبني تصور إصلاحي قائم على نظرة شمولية وليس على إصلاحات تجزيئية ذات أهداف ضيقة. وتتمثل هذه الدعامات في: نخب مسؤولة، منفتحة وكفؤة ذات تكوين يؤهلها لمسايرة اختصاصات الجماعة التشاركية والتواصل مع مختلف الفاعلين الأساسيين في التدبير وعلى رأسهم المواطن المحلي؛
موارد بشرية محترفة ذات تكوين عال قادرة على تدبير الجماعة على أساس التدبير العمومي الحديث المبني على الفعالية، الجودة والاحترام والحكامة الرشيدة؛
فاعلون خواص يمثلون قطاع مقاولاتي مواطن منفتح على قضايا وهموم محيطهم ومشارك في تنميته من خلال تشجيع الاستثمار المحلي والنهوض بميكانزماته بدل الاعتماد على اقتصاد الريع ومختلف الامتيازات التي ترتبط به؛
-فاعلون في القطاع العام مسؤول يتمتع بالشفافية ومنفتح على بيئته المحلية ومتواصل معها؛
مجتمع مدني محترف ومسؤول ذا قوة اقتراحية وازنة ونوعية، بحكم قربه من المواطن واطلاعه على انشغالاته وانتظاراته؛
سلطة محلية ذات ممارسة وصائية مواكبة وذات رؤية جديدة على مستوى تدبير الشأن العام المحلي، تتجاوز المقاربة الأمنية لتنخرط كشريك وكفاعل أساسي في المقاربة التشاركية ؛
ساكنة محلية مواطنة واعية بحقوقها والتزاماتها منخرطة في تحقيق التنمية المحلية من خلال منحهم حق المساهمة في النقاشات العمومية بشكل مباشر أو بصفة غير مباشرة من خلال إحداث نظام لتلقي الطلبات والآراء المعبرة عنها من طرفهم.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن مجال التعاون والتشارك المتعلق بالتدبير الترابي شاسعا لذلك من البديهي التطرق إلى مختلف جوانبه.
المطلب الأول: ملامح التعاون والشراكة بين الجهة والدولة
أمام ضعف الإمكانات الجهوية الذاتية، لن تجد الجهات بدّاً من التعاون لتحقيق أهداف التنمية، على اعتبار أن التشارك أصبح أحد السبل لسد ولو جزء من الخصاص الذي تعاني منه في إمكانياتها. فتداخل الاختصاصات، إلى جانب الاختلالات التي أفرزتها بعض التقطيعات الجهوية السابقة، وضعف الوسائل البشرية والمادية، كلها عوامل دفعت إلى اللجوء الى هذا الأسلوب.
وكان القانون رقم 96- 47أسند للجهات عدة اختصاصات تصب في اتجاه تكريس البعد التنموي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للجهة . إلا أن هذه المجالات صيغت بشكل عام وفضفاض استعصى معه ضبط حدود الشؤون الجهوية، مما نتج عنه تداخل وتضارب الاختصاصات بين كل المتدخلين في مجال ترابي معين “جماعة – إقليم/عمالة – جهة.
الفقرة الأولى : إحداث مجموعة جهات
حاول القانون التنظيمي للجهات الذي صدر مؤخرا، تخويل هذه الأخيرة اختصاصات متعددة تهم كل القطاعات، وتسمح لها بالاضطلاع بدورها المتعدد في مختلف المجالات التنموية. وهو نفس التوجه الذي أفرزه الدستور من خلال وضع قواعد جديدة تؤسس لتصور جديد لمكانة الجهة ولأدوارها، وإعطاء مفهوم جديد للعلاقة بين الدولة وامتدادها المجالي. فقد أصبحت الجماعات الترابية وحدات إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية، وتقوم بتدبير شؤونها بشكل حرّ وتضامني، ضمن سياق وحدة الدولة غير القابلة للتجزئة.
وقد أضحى إحتدام المنافسة بين الدولة والجهة في مجالات التنمية يفرض على الدول النّامية مزيدا من التطور لمواجهة المستجدات والتطلعات المحلية، عبر تحسين قدرات الجماعات الجهوية على القيام بالاختصاصات التي تمارسها نظيراتها في التجارب المتقدمة. وفي هذا السياق، اعتبرت مسألة توزيع الإختصاصات والإمكانيات بين الدولة والجهة، الركن الأساسي والرقم المربح في معادلة البناء الجهوي المتقدم.
فمن خلال توسع وتعدد مجالات تدخل الجماعات الجهوية، مع توفير الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لممارسة اختصاصاتها، تبرز درجة اللامركزية الجهوية وقدرتها على بلورة الديمقراطية المحلية والتنمية الذاتية.
ولتلافي إشكالية تداخل الاختصاصات، حدد القانون التنظيمي للجهات اختصاصات الجهات الذاتية والمشتركة والمنقولة. على أنه وبناءً على مبدأ التفريع، سيضحي للجهة اختصاصات اضافية مشتركة مع الدولة بموجب مقتضيات مشروع القانون التنظيمي المذكور، وهي اختصاصات لم يكن منصوصا عليها في القانون 47-96. وستتم ممارستها، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة، في إطار تعاقدي وطبقا لمبدأي التدرج والتمايز، وهي تشمل الاختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك.
وبالطبع، يتطلب بناء علاقة شراكة من هذا النوع دعما من طرف الدولة. ولهذه الغاية، نظم القانون تدخل هذه الأخيرة، ليس من خلال الوصاية المشدّدة والمعقدة المعمول بها سابقا، انما من خلال ارساء آليات للتعاون والشراكة، من قبيل تمكين مجلس الجهة من التداول بشأن إحداث مجموعات الجهات ومجموعات الجماعات الترابية، وإبرام اتفاقيات التعاون والشراكة مع القطاع العام والخاص، والعقود المتعلقة بممارسة الاختصاصات المنقولة والمشتركة.
وهكذا، أكدت المادة 145 من القانون التنظيمي للجهات أنه “يمكن للجهة ومجموعاتها ومجموعات الجماعات الترابية المنصوص عليها أدناه إحداث شركات مساهمة تسمى “شركات التنمية الجهوية” أو المساهمة في رأسمالها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام أو الخاص.
وتحدث هذه الشركات لممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجهة أو تدبير مرفق عمومي تابع للجهة.
لا تخضع شركات التنمية الجهوية لأحكام المادتين 8 و 9 من القانون رقم 39.89 المؤذن بموجبه في تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص”.
ومن اللازم أن يكون غرض هذه الشركة منحصرا في الأنشطة الصناعية والتجارية ويدخل في اختصاصات الجهة، وهو ما نصت عليه المادة 146 من القانون التنظيمي للجهات .
كما يمكن للجهات أن تؤسس مجموعات فيما بينها يتولى تسييرها مجلس منتخب ويمارس رئيسه كافة الصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس الجهة من أجل التعاون على إنجاز عمل مشترك ذو طبيعة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية يعود بالنفع عليها انطلاقا من مواردها المالية وذلك طبقا للمادة 148 من القانون التنظيمي للجهات التي نصت على أنه ” يمكن للجهات أن تؤسس فيما بينها، بموجب اتفاقيات يصادق عليها من قبل مجالس الجهات المعنية، مجموعات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، وذلك من أجل إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للمجموعة.
تحدد هذه الاتفاقيات غرض المجموعة وتسميتها ومقرها وطبيعة أو مبلغ المساهمة والمدة الزمنية للمجموعة، عند الاقتضاء.
يعلن عن تكوين مجموعة الجهات أو انضمام جهة إليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بعد الاطلاع على المداولات المتطابقة لمجالس الجهات المعنية.
يمكن انضمام جهة أو جهات إلى مجموعة للجهات بناء على مداولات متطابقة للمجالس المكونة للمجموعة ومجلس المجموعة ووفقا لاتفاقية ملحقة” .
وقد حدد المشرع المغربي في القانون التنظيمي للجهات كيفية حل مجموعة الجهات من خلال المادة 153 التي أوردت أنه ” تحل مجموعة الجهات في الحالات التالية:
-بحكم القانون بعد مرور سنة بعد تكوينها دون ممارسة أي نشاط من الأنشطة التي أسست من أجلها؛
-بعد إنجاز الغرض الذي أسست من أجله؛
-بناء على اتفاق جميع مجالس الجهات المكونة للمجموعة؛
-بناء على طلب معلل لأغلبية مجالس الجهات المكونة للمجموعة.
في حالة توقيف مجلس مجموعة الجهات أو حله، تطبق أحكام المادة 77 من هذا القانون التنظيمي.
يمكن للجهة أن تنسحب من مجموعة الجهات وفق الشكليات المنصوص عليها في اتفاقية تأسيسها، ويعلن عن الانسحاب بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية “. ولم يكتف المشرع المغربي بالتنصيص على إمكانية خلق الجهات لمجموعات تعاونية فيما بينها ، بل جعل الأمر يمتد أيضا فيما بين الجهات والجماعات الترابية بناء على اتفاق ، بحيث وضع الإطار العام الذي يحكم هذه العلاقات التعاونية في المادة 154 من القانون التنظيمي للجهات التي نصت على أنه ” يمكن لجهة أو أكثر أن يؤسسوا مع جماعة أو أكثر أو عمالة أو إقليم أو أكثر مجموعة تحمل اسم “مجموعة الجماعات الترابية”، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للمجموعة “.
الفقرة الثانية : عقود التخطيط
كرس القانون آلية أخرى للتعاون بين الجهات والدولة، تمثلت في عقود التخطيط وتنفيذ البرامج المسطرة في سياسة التخطيط. فعن طريق هذه الآلية، يتم القيام بأعمال مشتركة في إطار احترام استقلال كل جماعة، مما يسمح بتلاقي الجهود، وتماسك المبادرات المحلية.
وكخلاصة، نسجل ضرورة تكثيف سبل التعاون المثمر بين الدولة والجهاتفهو يسهل اندماج الدولة في الوحدات الإدارية ويساعدها في تنفيذ برامجها السياسية واختياراتها الاقتصادية، عبر اطلاعها عن قرب على متطلبات الجهات ومطامحها. ويمثل أسلوب التعاقد بين الدولة والجهات، كعقود التخطيط المعتمدة في فرنسا مثلا، مظهرا من مظاهر التعاون والتنسيق فيما بينها.
المطلب الثاني: التعاون بين الجهة والجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني
اعتبارا للدور الحيوي للجهة والمهام المنوطة بها، فإن اللجوء إلى مفهوم التعاون على أرض الواقع لتدعيم صيرورة اللامركزية من جهة، وجعل الجهة الإطار الأنجع لتحريك النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يعد ضروريا لضمان مساهمة أوسع في مجهودات التنمية.
والملاحظ أن هناك مبادرات للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والغرف المهنية بالإضافة إلى القطاع الخاص، دون أن تندرج في تصور مجالي شمولي يجعل منها أدوات حقيقية للتنمية الجهوية. ولذلك، وجب تجميع مختلف المبادرات في إطار أكثر ملاءمة وتماشيا مع مستجدات الدستور. وعليه فإن قدرة الجهة على الاضطلاع بمهامها وأعبائها في مجال التنمية، يقتضي تطوير علاقة الجهة بالدولة وبباقي الجهات وبالجماعات الترابية الأخرى، في اتجاه تجاوز تلك العلاقة التقليدية إلى نوع من التعاون والتشارك في مختلف مجالات تدخلها.
ومجمل القول، يقصد بالتعاون في إطار اللامركزية “جميع أشكال التعاون والشراكة والتبادل التي تقوم بها الجماعات الترابية فيما بينها وبين الشركاء الخاضعين للقانون العام أو القانون الخاص أو مع الجماعات الترابية الأجنبية أو مع المنظمات غير الحكومية المهتمة بالشؤون المحلية.
ويفيد التعاون تعاقد الجماعات الترابية فيما بينها لإنجاز مشاريع مشتركة دات منفعة عامة في إطار إمكانيات التي تنص عليها مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات الترابية.
كما يقصد بالشراكة مجموع الاتفاقيات التي تبرمها الجماعات الترابية مع مؤسسات عمومية وجمعيات المجتمع المدني والقضاع الخاص، إنجاز مشاريع مشتركة دات منفعة عامة كما تتجلى الشراكة العمومية في العلاقات التي تقيمها الجماعات الترابية فيما بينها ومع مؤسسات عمومية أو ةمع جمعيات المجتمع المدني لتدبير مرافق عمنومية سواء من طرف القطاع الخاص أو بواسطة شركات التنمية المحلية. أما مفهوم الإشراك فيعني العلاقات التي تقيمها الجماعات الترابية لإنجاز مشاريع تنموية محلية تقام على أساس حاجيات وإمكانيات محددة في إطار تضامني مع غيرها خاصة لمساعدة الجماعات الترابية الضعيفة للاستفادة من خبرة وإمكانيات نظيرتها الميسورة” .
الفقرة الأولى التعاون كوجه من أوجه الحكامة بين الجهة والجماعات الترابية
أولا إمكانية إحداث مجموعات تعاونية والانضمام إليها أو الانسحاب منها
أوضح القانون التنظيمي للجماعات الترابية أنه يمكن لجماعة أو أكثر أن يؤسسوا مع جهة أو أكثر أو عمالة أواقليم أو أكثر مجموعة تحمل اسم ” مجموع الجماعات الترابية ” تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، بهدف انجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة عامة للمجموعة .
وتحدث هذه المجموعات بناء على اتفاقية يصادق عليها مجلس الجماعات الترابية المعنية ويحدد موضوع المجموعة و تسميتها ومقرها وطبيعة المساهمة أو مبلغها والمدة الزمنية للمجموعة ، كما ينتخب المنتدبون وفق أحكام المادة 45 من هذا القانون التنظيمي لمدة انتداب المجلس الذي يمثلونه.
وينتخب مجلس مجموعة الجماعات الترابية من بين أعضائه رئيسا ونائبين اثنين على الأقل وأربعة نواب على الأكثر يشكلون مكتب المجموعة طبقا لشروط الاقتراع والتصويت المنصوص عليها لانتخاب أعضاء مكاتب مجلس الجماعات .
فالتعاون الجماعي يشكل أحد الأشكال الأكثر ملائمة لمواجهة مختلف التحديات المحلية ، ووعاء لنشر ثقافة الانفتاح والتحاور والتنسيق والتضامن، وامكانية لتقسيم الأعباء والاستفادة الاقتصادية المشتركة، كفضاء لتعزيز الاستقرار التنموي، ولتحقيق ذلك يجب العمل بجد وجهد لجعل هذا التعاون أكثر انفتاحا لتحقيق المرجو منه.
ثانيا إمكانية خلق التعاون اللامركزي مع جماعات ترابية وطنية أو أجنبية
يلعب التعاون في شقه الدولي دورا حيويا في تقوية التعاون وتوسيع أفاقه، حيث أن هذا التعاون لا ينحصر فقط في المساعدات المالية والاقتصادية بل تظهر أهميه بشكل بارز في نقل الخبرات والمعارف والمهارات في الجوانب الإدارية والتكنولوجية مما يفتح الباب أمام الجماعات المحلية للاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة.
ووعيا بهذه الإمكانية ومدى انعكاساتها على الواقع المحلي، عملت الجماعات المحلية بالمغرب على الانخراط في المنظمات الدولية والجهوية، وتوقيع اتفاقيات شراكة ثنائية أو إبرام اتفاقيات توأمة كآلية لدعم الحكامة المحلية والاستفادة من الامتيازات التقنية والمالية التي توفرها هذه المنظمات التي تهتم بالشأن المحلي للمدن المنخرط بها.
والملاحظ أن هذه العلاقات قد تأخذ بعدا ثنائيا، أو بعدا متعدد الأطراف، ففي الحالة الأولى نجد أن هذا التعاون ينحصر في بلدين بغية تحقيق أهداف مشتركة، وفي هذا الإطار تم توقيع اتفاقية بين المغرب وفرنسا تحت اسم “الآلية المشتركة لدعم التعاون اللامركزي المغربي الفرنسي” بتاريخ 27 أبريل 2011، كوسيلة لتقوية قدرات الجماعات الترابية المغربية في ميدان الإشراف على المشاريع وذلك في إطار احترام الاختصاصات والصلاحيات المخولة لها قانونا .
أما التعاون الدولي متعدد الأطراف يمكن ملامسته من خلال الانخراط في المنظمات الدولية والجهوية التي تعنى بالشأن المحلي.، بحيث ” تلعب المنظمات الدولية والجماعات دورا حيويا في مجال التعاون وتوسيع آفاقه، من بين هده المنظمات نخص بالدكر
-الاتحاد العالمي للمدن المتحدة
-منظمة المدن العربية
-مدن العواصم والمدن الإسلامية
-اتحاد المدن الإفريقية
-منظمة المدن الناطقة كليا أو جزئيا بالفرنسية
-منظمة المدن الكبرى ميتروبوليس” .
الفقرة الثانية التعاون كوجه من أوجه الحكامة بين الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين
يأخذ التعاون بين الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين شكل عقد شراكة الذي يعتبر عقدا إداريا بموجبه تعهد الجماعات الترابية إلى شخص آخر مشروع معين لمحددة محددة لإنجاز عمل مشترك.
أولا إبرام شراكات تعاون بين الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين التابعين للقطاع العام
يمكن للجماعات الترابية إبرام شراكات تعاون مع الفاعلين الاقتصاديين التابعين للقطاع العام لإنجاز مشاريع تنموية على الصعيد المحلي يكون الهدف منها خلق قيمة مضافة من خلال تمويلها حتى يستفيد منها بشكل مشترك كل من المواطنين والمجتمع بصفة عامة وكدا هؤلاء الفاعلين أنفسهم.
ومن أمثلة اتفاقيات التعاون والشراكة نجد :
- اتفاقية شراكة متعلقة بإنجاز البرنامج الوطني الثاني للطرق القروية بين وزارة التجهيز والنقل في شخص ممثلها المدير الجهوي للتجهيز بالعيون والمعرف فيما بعد ب « المديرية الجهوية » والمجلس الجهوي للعيون- بوجدور- الساقية الحمراء ممثلا في شخص رئيسه والمعرف بعد ب « المجلس الجهوي»؛
- اتفاقية شراكة بين الجماعة القروية القصيبية وجمعية المبادرة للتضامن الاجتماعي ؛
- اتفاقية الشراكة لاستغلال سيارة نقل الجثث بين المجلس الإقليمي لبركان، المجلس الحضري لبركان، المندوبية الإقليمية للصحة ببركان، جمعية رعاية أموات المسلمين ببركان ؛
- اتفاقية للشراكة بين الجماعة الحضرية للعيون ومجلس جهة العيون- بوجدور- الساقية الحمراء والمصلحة الإقليمية للمياه والغابات حول إنجاز مشروع التشجير بالمدينة ؛
- اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة والمجلس الإقليمي لشتوكة آيت باها ؛
- اتفاقية إطار للشراكة بين وكالة التنمية الاجتماعية وعمالة إقليم ورزازات ؛
- اتفاقية شراكة تتعلق بالبرنامج الوطني للتأهيل البيئي للمدارس القروية بين كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة/ قطاع البيئة، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي/ قطاع التعليم المدرسي من جهة وولاية العيون بوجدور من جهة ثانية ؛
- اتفاقية شراكة عدد 1/2009 تتعلق بتسيير شاحنات صهريجية لتزويد الماء بين المديرية الإقليمية للفلاحة، المجلس الإقليمي لبوجدور، الجماعات القروية : لمسيد، كتلة زمور وأجريفية وجمعية التنمية القروية لبوجدور ؛
- اتفاقية شراكة بين المجلس الإقليمي لشتوكة آيت باها والجماعة القروية لإنشادن من أجل إنجاز خزانة جماعية بإنشادن ؛
- اتفاقية الشراكة بين المجلس الإقليمي لشتوكة آيت باها والجماعة القروية لآيت عميرة من أجل النهوض بقطاع الطرق…الخ.
ونظرا لأهمية عقود الشراكة بين الجماعات الترابية والفاعلين في القطاع العام ولا سيما في مجال تمويل المشاريع دات الطبيعة الاقتصادية على المستوى المحلي، فإننا نرى من اللازم إنشاء وإدارة خطط للتنمية مع إدماج فقرات للتعاون اللامركزي عبر تعزيز وتقوية دينامية التعاقد والشراكة، وتحديد أدوات لتدبير التعاون اللامركزي عبر التخطيط الإستراتيجي، بحيث يمكن للجماعة، من أجل تنفيذ المخطط الجماعي للتنمية، الالتزام مع الفاعلين أو المانحين ( التابعين للقطاع العام أو الخاص، سواء الدوليين أو الوطنيين) بخصوص تمويل جزء أو مجموع المشاريع المزمع إنجازها في المخطط، وفي نظام للتعاقد أو الشراكة، يتم تحديده.
ثانيا إبرام شراكات تعاون بين الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين التابعين للقطاع الخاص
يمكن للجماعات الترابية العمل على اللجوء إلى عقود الشراكة بينها وبين الشركاء الاقتصاديين المنتمين للقطاع الخاص . وقد نظم مثل هده العلاقات القانون رقم 86.12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص الدي أعطى تعريفا لعقد الشراكة بكونه عقد محدد المدة، يعهد بموجبه شخص عام إلى شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم والتمويل الكلي أو الجزئي والبناء، أو إعادة التأهيل وصيانة أو استغلال منشأة أو بنية تحتية أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي .
وقد حدد المشرع المغربي للجماعات الترابية كيفية إجراء وإبرام مثل هدا النوع من العقود فيما بينها وبين الفاعلين في القطاع الخاص ودلك بواسطة العديد من الآليات، مجملة في المادة 4 من القانون المدكور أعلاه بقولها ” تبرم عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق مساطر الحوار التنافسي أو طلب العروض المفتوح أو طلب العروض بالانتقاء المسبق أو وفق المسطرة التفاوضية حسب الشروط المنصوص عليها على التوالي في المواد 5 و 6 و 7 أدناه.
تحدد بنص تنظيمي كيفيات وشروط تطبيق طرق الإبرام المذكورة وكذا تلك المتعلقة بالتأهيل المسبق للمترشحين”.
فبالنسبة للطريقة الأولى، فقد نصت المادة 6 على أن ” طلب العروض المفتوح مسطرة يقوم بموجبها الشخص العام بعد دعوة للمنافسة باختيار العرض الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية، وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 8 أدناه.
طلب العروض بالانتقاء المسبق مسطرة تمكن الشخص العام من التحديد المسبق للائحة المترشحين المقبولين لإيداع العروض.
بعد تقديم العروض النهائية من طرف المترشحين، يمكن للشخص العام أن يطلب توضيحات أو تدقيقات أو تتميمات أو تحسينات على العروض المودعة من طرف المترشحين وكذا التأكيد على بعض الالتزامات، ولا سيما المالية منها. غير أنه، لا يمكن لهذه الطلبات أن تؤدي إلى تغيير العناصر الأساسية للعرض أو الخاصيات الأساسية للعقد التي من شأن تغييرها المس بالمنافسة أو أن يكون لها أثر تمييزي”.
أما بالنسبة للحوار التنافسي، فهي حسب المادة 5 من دات القانون “مسطرة تمكن الشخص العام، على أساس برنامج عملي ونظام الدعوة إلى المنافسة يعده بنفسه، وبعد إعلان إشهاري، بإجراء مناقشات مع مترشحين للتعرف على الحل أو الحلول التي من شأنها تلبية حاجياته.
يجوز للشخص العام أن يلجأ إلى مسطرة الحوار التنافسي، في حالة ما إذا لم يستطع لوحده، بكل موضوعية وبصفة مسبقة، تحديد الوسائل التقنية لتلبية حاجيات المشروع موضوع عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو إعداد تركيبته المالية أو القانونية.
يجوز إجراء الحوار التنافسي مع المترشحين حول جميع نقاط المشروع. ويمكن للشخص العام أن يقلص من عدد المترشحين على مراحل متتالية، بالتنصيص على ذلك في نظام الاستشارة، ومواصلة الحوار على أساس قائمة محدودة.
وبعد المناقشات، يدعو الشخص العام المترشحين إلى تقديم عروضهم النهائية على أساس الحل أو الحلول التي تم تحديدها أثناء الحوار، وينبغي أن يصاغ الحل أو الحلول بوضوح في دفتر التحملات المرفق لنظام الاستشارة.
يمكن للشخص العام أن يطلب توضيحات أو تدقيقات أو تتميمات أو تحسينات تتعلق بالعروض المقدمة من طرف المترشحين وكذا التأكيد على بعض الالتزامات، ولا سيما المالية منها. غير أنه، لا يمكن لهذه الطلبات أن تؤدي إلى تغيير العناصر الأساسية للعرض أو الخاصيات الأساسية التي من شأن تغييرها المس بالمنافسة أو أن يكون لها أثر تمييزي.
يختار الشخص العام العرض الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 8 أدناه.
يجوز للشخص العام أن يخصص منحا للمترشحين الذين لم يتم اختيارهم وحظيت عروضهم بالمراتب الأولى. ويجب أن لا يفوق عدد المترشحين الذين يتلقون المنح ثلاثة مترشحين.
يتم بنص تنظيمي كيفية تحديد هذه المنحة.
لا يجوز بأي حال من الأحوال كشف المعلومات السرية أو الحلول المقترحة المقدمة من قبل أحد المترشحين في إطار مسطرة الحوار لباقي المترشحين دون الموافقة المسبقة المعبر عنها كتابة من المترشح المعني”.
ومن جهة أخرى، فاللجوء إلى المسطرة التفاوضية يكون في حالات معينة محددة على سبيل الحصر بمقتضى المادة 7 من القانون المشار إليه كالآتي: ”
– عدم إمكانية إنجاز الخدمة أو استغلالها لاعتبارات تقنية أو قانونية إلا من قبل فاعل وحيد من القطاع الخاص؛
– حالة الاستعجال الناجمة عن أحداث غير متوقعة بالنسبة إلى الشخص العام؛
– دواعي تتعلق بالدفاع الوطني أو الأمن العام.
استثناء من أحكام المادة 3 أعلاه، يمكن أن لا تخضع المسطرة التفاوضية للإشهار المسبق أو لنظام الدعوة للمنافسة أو هما معا”.
وانطلاقا من هامش الحرية الممنوح للجماعات الترابية في مجال عقود الشراكة، فإن للأخيرة الحق في اختيار العرض الأكثر فائدة بالنسبة لها والدي يعود بالنفع على المواطنين من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستشف من المادة 8 من القانون المنظم لعقود الشراكة بين القطاع العام والخاص .
الفقرة الثالثة التعاون بين الجماعات الترابية والمجتمع المدني
تظهر ملامح العلاقة بين الجماعات الترابية والمجتمع المدني في كون كل واحد منهما يعمل في إطار تكامل وتضافر الديموقراطية التشاركية والديموقراطية التمثيلية والشراكة، لخدمة المواطنة الديموقراطية وتحقيق التنمية البشرية المستدامة والعدالة الاجتماعية محليا وجهويا.
وتنطلق أسس هذه العلاقة من مرتكزات واحكام الدستور وخاصة المتعلقة بحقوق ووجبات المواطنين والمواطنين ومشاركتهم، والخيار الديموقراطي، وربط المسؤلية بالمحاسبة، والديموقراطية التشاركية ، واللامركزية و الجماعات الترابية، والحكامة. الجيدة والشفافية، وحريات ومسؤوليات جمعيات المجتمع المدني وأدوارها وكذا مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والمجالس الجهوية والإقليمية.
لذلك، نجد للمجتمع المدني وهيئاته موقعا وادوارا ضمن منظومة الحكامة الترابية وتدبير الشأن المحلي، من خلال المشاركة في برامج الجماعات الترابية ، وقرارتها وميزانيتها وحكامتها ومساهمة العمل الجمعوي في تطوير ومأسسة ،الثقة والتواصل والتشاور والتعاون ، بين المجالس الترابية والمنتخبين ، والمواطنين والمواطنات ، وتأطير مشاركتهم.
أولا مظاهر التعاون بين الجماعات الترابية والمجتمع المدني
في إطار تعزيز الديمقراطية المحلية، وبلورة الحريات العامة، وبغية إشراك المواطنين في تدبير الشؤون المحلية، اعتمدت المملكة المغربية منذ سنوات الاستقلال الأولى نهج اللامركزية بالبلاد. وهكذا سُجِّل تطور ملموس فيما يتعلق بالجهاز القانوني والموارد المالية والبشرية على مدى أزيد من أربعين عاماً، وعلى مراحل عدة، سعياً إلى تعزيز استقلالية الهيئات المنتخَبة، في سبيل جعل الجماعات الترابية رافعة حقيقية للتنمية. ومند الاستقلال وبالخصوص في تسعينيات القرن الماضي أصبح المجتمع المدني فاعلا أساسيا في النهوض بالأعمال الاجتماعية والتنموية المحلية، خاصة بعد فشل المبادرات الفوقية والقطاعية من طرف الدولة، إذ تصاغ المخططات والبرامج في المركز وتطبق على المستوى المحلي دون معرفة مسبقة بحاجيات و متطلبات الساكنة المحلية. أيضا هناك عامل أساسي، كرس بدوره أهمية المجتمع المدني في التنمية المحلية، وهو دور المنظمات الدولية التي بدأت تضع الثقة أكثر في الجمعيات لتصريف التوجهات الاجتماعية والتنموية . أضف إلى ذلك احتكاك المجتمع المدني بالواقع المباشر الأمر الذي يؤهله أكثر للقيام بأدوار تنموية تتلاءم و حاجيات الساكنة المحلية. وتتحقق المشاركة الحقيقية للمجتمع المدني من خلال الاشراك وبفعالية في المبادرات التنموية المحلية التي تطرحها الدولة او الجماعات الترابية سواءا اثناء الصياغة او التنفيذ والمتابعة للمشاريع التنموية. وبالتالي فان الجماعات الترابية والمجتمع المدني اصبحا وانطلاقا مما سبق ركيزتان أساسيتان في تحقيق التنمية المحلية وخلق الرفاه الاجتماعي.
لقد ركز القانون التنظيمي للجماعات على التشاركية والحوار والتشاور . ومن ثمة لابد من مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل الخاصة بالجماعة وتتبعها وتقويمها. وأعطيت الصلاحية للنظام الداخلي توضيح الكيفية. هذا النظام الداخلي يوضع من قبل الرئيس والمستشارين. ويصبح قابلا للتنفيذ بعد مصادقة السلطات الترابية. والسؤال المطروح هل ساهم المجتمع المدني في بلورة هذا النظام الداخلي؟
كما أن الجماعة الترابية طبقا للدستور ملزمة بتشكيل هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني من أجل مقاربة القضايا التالية: المساواة ومقاربة النوع وتكافؤ الفرص. ونفس الأمر حددت الشروط والكيفيات لهذا المقتضى في النظام الداخلي الخاص بالجماعة.
كما نص القانون التنظيمي على الحق في تقديم عرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات. من أجل إدراج نقطة في جدول أعمال. خاصة فيما يتعلق باختصاصات المجلس.
وحسب المادة 122 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية فالعريضة هي ” كل محرر يطالب بموجبه المواطنات والمواطنون والجمعيات مجلس الجماعة بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله”.
ويعرفها أحد الباحثين بكونها “وسيلة قانونية تمكن الأفراد والمجتمع المدني من التواصل مباشرة مع السلطات العمومية قصد إبداء تظلماتهم ومنح المواطن دورا إيجابيا في الحياة السياسية من خلال هدا النوع من الآليات التواصلية”.
ومن الواجب على العرائض أن تراعي ثوابت الأمة. ويتكلف الوكيل بتتبع مسطرة تقديم العريضة. وحدد عدد موقعين العرائض في 100 توقيع بالنسبة للجماعة عدد سكانها أقل من 35ألف و 200 توقيع لأكثر من 35 ألف.. و400 توقيع للجماعات ذات نظام المقاطعات. وللجمعية القانونية التي عمرت ثلاث سنوات في الأنشطة وتشتغل في نفس المجال الذي تمارس فيه الجماعة. واعتبر البعض ان هذه الشروط تتصف بنوع من التعجيز.
وبعد ثلاثة أشهر يكون الجواب بالقبول أو الرفض وهذا الأخير يكون معللا. وفي حالة القبول تحال القضية على اللجنة المعنية ثم ترفع التوصيات على أنظار الدورة.
وكون مضامين العرائض يجب أن تحترم اختصاصات الجماعات، فإنه من اللازم على الفاعل المدني أن يكون على دراية بهذه الاختصاصات انطلاقا من المبادئ التالية: الديمقراطية والتدبير الحر والتعاون والتضامن والمناصفة والتفريع حيث الاختصاصات الذاتية للجماعة والمشتركة بينها وبين الدولة والمنقولة من الدولة إلى الجماعة.
وضبط مضامين الأنظمة الداخلية للجماعات خاصة ما له علاقة بالتشاركية والحوار والاستشارة. خاصة وأن الدورة تكون غالبا مفتوحة أمام المواطنين. حتى يسهل الاستيعاب والتواصل.
ويبدو أن مجال التعاون بين الفاعلين الجماعي والمدني واسع نحو التعمير والبيئة والرياضة والثقافة والشؤون الاجتماعية وغيرها من المواضيع التي لها علاقة بخدمات القرب. وقضايا التنمية عامة مع اعتماد أسلوب الشراكات والتعاقد بدل التنافر والتضاد.
هناك محور أساسي يمكن التعاون فيه بين المجتمع المدني والجماعات والمتعلق بالحكامة الجيدة وهذا ما ورد في الدستور والخطابات الملكية والقوانين التنظيمية المنظمة للجماعات الترابية. وهذا باب واسع يركز على المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع اعتماد على التشخيص التشاركي. انطلاقا من الاستمرارية والديمقراطية والشفافية والرقابة والمحاسبة وسيادة القانون والتشارك والفعالية والنزاهة والحق في الحصول على المعلومة.
ثانيا آفاق التغلب على معيقات التعاون بين الجماعات الترابية والمجتمع المدني
إن تطبيق خريطة الطريق هذه مرتبط بتحرير العقول والاقتناع بقبول الآخر والتعاون رغم التباين في الآراء.لأن هذا هو جوهر ثمار التشاركية والإشراك.
يجب أن نرقى جميعا إلى أن التنمية الترابية والمجالية مرتبطة بالتعاون بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني . وهذا ما يتطلب تبني قيمة الثقة كمرجع غير مادي من أجل تعبيد طرق التعاون والتضامن وخدمة الصالح العام. والتغلب على كافة العراقيل المرتبطة بالعمل الجمعوي في علاقته بالجماعات الترابية. يرى البعض أن معوقات الشراكة بين الجمعيات والجماعات المحلية تكمن في :
أ- حالة التوجس والتخوف التي تطبع العلاقة بين الجمعيات والمجالس الجماعية.
ب- الجهل التام للمجالس الجماعية بالمجهودات التي تقوم بها هاته الجمعيات.
ج- النظر إلى الجمعيات كمنافس ميداني يعيق عمل المجالس.
د- اعتبار الجمعيات أدوات تنفيذية لإنجاز برامج ومشاريع لا تستطيع المجالس القيام بها لوحدها.
ه- اختزال الجمعيات دور المجالس الجماعية في التمويل فقط.
و- عدم تقدير الجمعيات للأهمية التي يمكن أن تساهم فيها الجماعات المحلية قي الرفع من مستوى تدخل الجمعيات في التنمية المحلية، ومدها بالآليات التقنية والمادية لإنجاح مشاريعها.
ز- طغيان حالة التباعد والجفاء بين الجمعيات والجماعات المحلية وعدم مد جسور التواصل بين الطرفين.
ح- عدم التأسيس لآليات تضمن وصول المعلومات الضرورية المرتبطة بالشأن المحلي إلى الفاعل الجمعوي مما يؤثر على فعل الجمعيات وذلك بسبب حسابات ضيقة.
ط- عدم توضيح الإطار المؤسساتي لمشاركة الجمعيات في شؤون الجماعة مع الإبقاء على الغموض والضبابية وطغيان العمومية على ألفاظ المشرع في الميثاق الجماعي، وهو ما يفتح المجال أمام تملص بعض المجالس ويرهن الأمر برمته لمزاجية الرؤساء الذين أوكلت لهم صلاحيات واسعة.
ي- التعامل المناسباتي في إشراك الجمعيات في الشأن المحلي سواء على مستوى خطابات الدولة عامة أو خطابات رؤساء الجماعات المحلية خاصة.
ص- شح الدراسات المتعلقة بالتنمية المحلية وتطلعات المواطنين وإمكانيات مشاركتهم في تدبير الشأن المحلي سواء لدى الجمعيات أو الجماعات المحلية عامة.
هذا العمل المشترك يحتم التأهيل والتكوين والرفع من القدرات وتكافؤ الفرص والتنمية الذاتية والتواضع وحسن التدبير الذاتي والإداري والمالي والدفاع على فلسفة الحكامة الجيدة، والتمييز بين الشأن الوطني والشأن الترابي المجالي الجهوي والمحلي. وبذلك سننعم بالجلال والجمال في المجال.وبناء تنمية مستدامة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا. انطلاقا من قيم حضارية وثقافية أهمها الحرية والعدل والمسؤولية والإنسانية والخير..
وخلاصة القول ” الحكامة التشاركية تفترض تدخل عدة جهات من أجل تقسيم العمل و توزيع الأدوار بينهم لإنجاز برامج و مخططات اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و غيرها، و التي تهم المجاليس الجهوي و المحلي لتحقيق تنمية شاملة، غير أن هذا العدد الوفير من المتدخلين سواء على الصعيدين الجهوي و المحلي أو حتى على الصعيد المركزي، و إمكانية المادية و البشرية لا يمكن أن يعطي تدخل من هذا النوع نتائج مرضية و مفيدة للتنمية الشاملة و يحقق المطالب الأساسية و المشروعية للساكنة ما لم يكن هناك تنسيق و تكتيل لكل الجهود المبذولة في هذا النطاق، إذ كلما توحدت تلك الجهود فإن ذلك مؤشر قوي على أن النتائج ستكون إيجابية، و ان الانجازات تحقق لا محالة الهدف المتوخى منها” .
ونؤيد الاتجاه الذي يرى بأنه “يمكن إجمال الشروط التي لا بد من توفرها في مكونات المجتمع المدني كي تضطلع بالدور المتوخى منها في العملية التنموية وفي صنع القرار فيما يلي:
– ضرورة توفر الجمعيات على قراءة موضوعية مفصلة للتراب تقف على مكامن الضعف والقوة وتمكن من طرح الحلول الإبداعية للمشاكل المطروحة؛
– التزام الاستقلالية والابتعاد عن التوظيف السياسي للعمل الاجتماعي على اعتبار أنه عمل نبيل في أساسه ومبتغاه؛
– القدرة على تشكيل قوة اقتراحية للمساهمة في إدارة الشأن المحلي من خلال تنمية الوعي لدى المنخرطين والمواطنين وإشاعة قيم المواطنة والمسؤولية والثقة؛
– القدرة على فتح قنوات حوار وشراكة مع الفاعلين الآخرين؛ من خلال ربط علاقات تواصلية وتعاونية مع مختلف المتدخلين وعلى رأسهم المجالس المنتخبة والسلطات المحلية ؛
– توعية و تحسيس المواطن بمسؤولياته بما يمكنه من المساهمة في صنع مستقبل فضاءه (العمل اليومي الذي يجب أن تضطلع به الجمعيات)؛
– استثمار المعلومة ذات الفائدة وتعميمها وحسن استغلالها للمساهمة في إنجازو إنجاح السياسات المحلية و البرامج الحكومية”.
وخلاصة القول، فالمشرع المغربي حرص على تمكين المجتمع المدني من الاضطلاع بأدواره الدستورية والقانونية في ما يتعلق بالديمقراطية التشاركية والتعريف بالآليات المتاحة لمشاركته وكذا تمثيل المواطنين بشك عام في تدبير الجماعات الترابية، من خلال أحكام النظام الداخلي لها، والتشاور حول سبل تفعليها.
كما أن مبادرة المشرع المغربي لوضع إطار قانوني لآليات الديمقراطية التشاركية يشكل خطوة مهمة في إطار الإصلاحات التي يعرفها المغرب، سواء بالنسبة للسياسات العمومية أو الجماعات الترابية، مبرزة أن تفعيل هذه الآليات يبقى رهينا بمدى تطبيق قواعد الحكامة الجيدة ووضع تصور استراتيجي شمولي يساهم فيه المجتمع المدني.
إن تنزيل قواعد الديمقراطية التشاركية يقتضي، أيضا، وضع خارطة طريق تحدد مهام ودور كل الجهات ذات الصلة، ووضع نظام متطور للاتصال والتواصل وتبادل المعلومات والحوار بين الجماعة الترابية ومكونات المجتمع المدني، وكذا دعم وتنمية القدرات الإدارية للجماعات الترابية في علاقتها مع مشروع الإصلاح وإشراك المواطنين في صنع القرار.
وتشكل الديمقراطية التشاركية، في بعديها الإجرائي والقانوني، آليات واعدة لتنظيم العلاقات بين مختلف المتدخلين في الشأن الجماعي، وتسعى إلى دعم العملية السياسية وتعزيز البناء الديمقراطي الجهوي والمحلي وتقوية أسس الديمقراطية التمثيلية وتنزيل القوانين المنظمة للجماعات الترابية، وتدبير التغيير الذي تعرفه المملكة وفق دستور 2011، ووضع عمليات الإصلاح على أرض الواقع وتوفير المناخ التشريعي والسياسي الملائم لتدبير الشأن العام المحلي.
لذا، في نظرنا يتعين:
-العمل على إرساء ديمقراطية تشاركية محلية باعتبارها مدخلا من مداخل التنمية
-الرفع من وثيرة اللقاءات التواصلية و الورشات التكوينية لفائدة فعاليات المدتمع المدني إلى جانب المنتخبين و أطر الجماعية الترابية من أجل مواكبة المستجدات الدستورية المرتبطة بأدوار الفاعلين المحليين في مجال التنمية المجالية و الحكامة على المستوى الترابي،
-العمل على مأسسة الشراكة بين الجمعيات المجتمع المدني و الجماعات الترابية في إطار الأدوار التكاملية التي تعزز الديمقراطية و الحكامة المحلية في أفق بناء نظام للتعاقد الاستراتيجي يستحضر قدرات و إمكانات الكفاءات المساهمة في دعم التنمية المجالية،
-تنظيم ملتقيات للتواصل بين جمعيات المجتمع المدنيو تنظيم لقاءات و ورشات دراسية و تكوينية للجمعويين/ات لتقوية القدرات من أجل مواكبة أدوارهم الدستورية الجديدة،
-توعية و تحسيس المواطن بمسؤولياته بما يمكنه من المساهمة في صنع مستقبل مجاله،
-ترسيخ الديمقراطية التشاركية في المجالس المحلية والمقاطعات والجهات و النسيج الجمعوي من أجل هيئة إقليمية تشاورية
الدعوة إلى تكريس المزيد من قواعد الشفافية و الحكامة في تدبير العلاقة مع جمعيات المجتمع المدني،
المطالبة بدعم البعد التخصصي للجمعيات و تدعيم بناء الشبكات الموضوعاتية والسعي من أجل إعادة بناء الشراكة المحلية بين الجماعة و الجمعيات على أساس الأولويات المشتركة.