إيكو بريس من طنجة
تحولت وحدة صناعية لخياطة النسيج والألبسة الجاهزة، صباح اليوم الإثنين 8فبراير الجاري، إلى مقبرة جماعية لعشرات العمال والعاملات، بعدما لقوا حتفهم غرقا إثر فيضانات قوية شهدتها المدينة نتيجة تساقطات مطرية قياسية.
الإحصاىيات بلغت إلى حدود الساعة السادسة مساء 28 شخصا (19 من النساء، و 9 رجال) تتراوح أعمارهن بين 17 و 45 سنة، كل واحدة منهن خلفت قصة مأساوية، إحداهن تركت أمها المريضة بالقلب دون معيل، أخرى لم يكتب أن تحتفل بزفافها الذي كان مقررا شهر مارس المقبل، وأخرى تركت زوجا يبكي حرقة رحيلها بمرارة.. وحكايا أخرى أشد ألما.
المآسي تجرعت مراراتها أقاليم مختلفة، هناك ضحايا ينحدرون من إقليم العرائش، وزان، القصر الكبير، أكادير، فاس، تاونات… والبقية من طنجة غالببتهم ينتمون لأوساط اجتماعية فقيرة، من روافد الهجرة القروية التي زحفت بطنجة بحثا عن فرصة شغل.
الحادثة وقعت حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا عندما اجتاحت سيول الأمطار حي بنديبان، كان المعمل المنكوب وهو عبارة عن وحدة صناعية غير مرخصة وتقع وسط الأحياء السكنية، تشهد حركية سواعد العمال والعاملات، وكان هدير آلات الخياطة يعم المكان على وقع زخات مطرية في الخارج.
بينما هم على هذه الحال بدأ منسوب مياه السيول يرتفع شيئا فشيئا، دق جرس الإنذار، ونهض العمال من أماكنهم، في وقت وجيز غمرت السيول المكان، ظل العمال ساكنين في أماكنهم، لم يعرفوا كيف يتصرفون.
موقع المعمل يتواجد في مكان منحدر معرض أصلا للفيضانات، وهو عبارة عن سرداب تحت أرضي، وطابق سفلي، وغالببة الضحايا من العمال الذين كانوا في القبو، والذين أطلقوا صرخات النجدة بعد وصلت المياه إلى كتفهم.
تدخل الجيران على وجه السرعة، ونادوا مصالح الوقاية المدنية، عم الفزع والله المكان، لم يعرف الحارس كيف يتصرف، أما صاحب المعمل فقد خرج بدوره إلى الخارج يصرخ طالبا النجدة.
توافد الجيران تحت زخات مطرية قوية، بدأت سواعد المتطوعين تقدم يد العون للمحاصرين وسط المياه، لكن العاملين في القبو السفلي كانوا بالكاد يستطيعون التنفس، بعضهم حاول الخروج سباحة، وضد إرادتهم كان منسوب المياه يرتفع حتى تخطى المترين، وفق روايات شهود عيان.
عند وصول عناصر الوقاية المدنية، كان المتواجدون في السرداب تحت أرضي يفرقون تباعا، محاصرين وسط المياه وآلات الخياطة. الوسيلة الوحيدة لانتشالهم كانت الاستعانة لفرقة الغطاسين، وكذلك كان..
عند الساعة العاشرة والنصف كان النبأ قد ذاع صيته في المدينة، بدأ الأهالي يتوافدون لتفقد أبنائهم وأقاربهم، ساد الارتباك المكان، لا معطيات حول الخسائر، سوى ماشهد سيارات الإسعاف وسيارات نقل الأموات تنقل الجثث والأحياء.
حضر لعين المكان والي جهة طنجة، محمد مهيدية، ووالي الأمن، ومسؤولون قضائيون، ومسؤولين كبار في السلطات الإقليمية من مختلف الرتب، مسؤول رفيع في عمالة طنجة أصيلة أكد لنا أن الوحدة الصناعية تشتغل منذ 15 سنة، رغم أنها في وضعية غير قانونية، إذ توجد وسط حي سكني، وفي بناية ضيقة، وطابق تحت أرضي معرض الكوارث مماثلة.
حلت الشرطة العلمية والقضائي بعين المكان، دخلت إلى مكان الفاجعة بعد أن تدخلت المصالح التقنية المكلفة بالتطهير السائل، بعد إفراغ مياه الفياضانات من المعمل المنكوب.
كانت الوحدة الصناعية تشتغل نحو 120 شخصا، وسط مساحة مبنى لا يتعدى 200 متر مربع، مكون من أربع طوابق، السفلي والتحت أرضي به، يشغل لصناعة النسيج والألبسة عن طريق المناولة، حيث يتلقى طلبات الإنتاج من الشركات الكبرى، والتي تعجز عن تلبية طلبات زبونها الأوروبي دون الاستعانة لخدمات ورشات صناعية توجد وسط الأحياء الشعبية في طنجة.
في عين المكان توجد ثلاث وحدات صناعية الخياطة مجاورة، لحسن الحظ أن عمالها لم يصبهم مكروه جراء الفيضانات، اجتاحت السيول المكان دون أن تتخطى منسوب المياه طول أجسامهم، وقد شارك بعضهم في تقديم الإغاثة لزملاءهم في المعمل المنكوب.
الفاجعة الأليمة هذه كشفت عن خروقات مهنية خطيرة، وعرت جشع الشركات الكبرى التي تستغل هشاشة الأسر الفقيرة وحاجة الفئات المعوزة إلى العمل، فتدفع طلبات الإنتاج لورشات صناعية توجد في منازل سكنية لا تتوفر على شروط السلامة حتى، وعندما تأتي كارثة طبيعية ينكشف المستور، فمن سينصف ذوي الضحايا الهالكين؟؟ وهل ستأخذ العدالة بحقهم في محاسبة المسؤولين ؟ وهل ستكون هذه الفاجعة قطيعة مع عهد السيبة والتجاوزات في أماكن الشغل الغير المرخصة في طنجة والمغرب عموما؟؟
https://www.youtube.com/watch?v=R0pAku5n74g&ab_channel=benaliabdo