بقلم منير اللحياني –
إن مشاركة الشباب في الحياة السياسية هي أولوية وطنية ملحة ومسؤولية مشتركة بين الأحزاب السياسية والدولة والمجتمع المدني، كونهم يمثلون أكثر من ثلث المجتمع المغربي، وكذا توفرهم على وعي يؤهلهم لفهم مختلف المستجدات السياسية، فضلا عن ذلك هم أقدر على التأثير في صناعة القرار السياسي، باعبارهم فاعلين محوريين في الوصل بين السياسية والمجتمع، كما أن شريحة الشباب في المغرب تشكل الفئة المتحررة –نسبيا- من القيود الإجتماعية المفروضة، مما يؤهلها لتكون أكثر دينامية في الحياة السياسية.
إن قضية “تشبيب” السياسة في المغرب هي قضية مطروحة منذ الإستقلال، لأننا نلاحظ دائما هيمنة الشيوخ الذين يتراوح سنهم ما بين الخمسينيات والسبعينيات على المناصب السياسية في مراكز القرار، وأيضا داخل قيادات الأحزاب السياسية. وبالتالي أصبحت مشاركة الشباب في الحياة السياسية ضعيفة جدا، رغم أن الشباب في المغرب ما بين 15 و 34 سنة- يمثلون أزيد من 34 % ، وهذه المشاركة الضعيفة هي بفعل العامل التاريخي المتمثل في وجود إقصاء و منع ممنهج لعدم خوض غمار اللعبة السياسية، وصراع الأحزاب على السلطة، إضافة إلى عوامل معاصرة تكمن في أن اللعبة السياسية ليست مغرية بالنسبة للشباب، بسبب وجود صعوبة في تنفيذ الوعود التي تقدمها الأحزب، كما لا نغفل عن سلطة التعيين التي تمنع تغيير مقاعد القيادات الحزبية عبر عقود، مما يدفع الشباب إلى المشاركة في السياسة بالشارع العام عن طريق الإحتجاج، بهدف البحث عن إثبات للذات، بعيدا عن المؤسسات الحزبية السياسية.
وليس كل من ينضم من الشباب المغربي إلى الحياة السياسية لديه وعي سياسي، قد يكون انضاممه فقط من أجل البحث عن علاقات يجد من خلالها وظيفة أو من أجل مقابل مادي، في حين أن الفئة الأخرى من الشباب التي ترفع شعار المقاطعة و العزوف عن الحياة السياسية، توجه رسالة للتأكيد على أن اللعبة السياسية ليست مغرية، بل إن البعض منهم يقول عن السياسة أنها لعبة تافهة ومحض سطو بالقانون على ثروات البلاد واستنزاف للشعب. وبعيدا عن هذه الفئة.. هنالك فئة شبابية أخرى.. و التي رغم حبها للسياسة إلى أنها تجد بينها وبين الولوج إلى تلك الأخيرة صعوبات وتحديات، منها ما هو اجتماعي متعلق بالحياة العامة والإستقرار الأسري والمعيشي، وآخر سياسي متعلق بالدرجة الأولى بالأحزاب السياسية وطريقة عملها.
لمقاربة إشكال “تحديات الإندماج السياسي للشباب في المغرب” علينا أولا أن نعي التحديات والعوائق الإجتماعية التي تجعل الشباب يعزف برغبته أو يقصى بفعل التحديات من الحياة السياسية، وهذه التحديات يمكننا تلخيصها في سببين رئيسيين: الأول هو البطالة و البحث عن لقمة العيش و توفير أساسيات الحياة و الإستقرار، قبل التفكير في العمل السياسي، فرغم العديد من محاولات الإصلاح الإجتماعي، وكذا تحسين مستوى عيش المواطن المغربي، إلا أننا لم نصل بعد إلى ذلك الأفق الذي يجعل من ظاهرتي البطالة والفقر أمرا نسبيا داخل المجتمع. أما السبب الثاني فيتجلى في فقدان الثقة في المؤسسات الحزبية التي مارست أعمالها لفترة طويلة دون أية نتيجة تذكر، أصبح الشباب اليوم يرى أن الأحزاب بالمغرب تعتمد على إيديولوجية ماركسية بامتياز، فهي تعبر عن شكل و طبيعة الأفكار التي تعكس مصالحها و تتناقض مع طموحات و أهداف المواطن.
وهذا الأخير مشكل متفرع وذو خلفيات عديدة، وهنا يجب أن نستحضر أنواع الأحزاب السياسية بالمغرب، وهما نوعان: الأحزاب الكبرى والأحزاب الصغرى.. في ما يخص الأحزاب الكبرى نجد مشكل إقصاء الشباب كثيراً، و صعب جداً أن يصل الشباب إلى مراكز القرار والقيادة داخل الحزب، لأن الأحزاب الكبيرة تعاني من “فائض بشري”، وبالتالي لا يمكن تجاوز الخبرة المتمثلة في فئة الشيوخ والكبار، وتقلد الشباب مناصب قيادية داخل الأحزاب، في حين نجد فقط فئة قليلة من الشباب استطاعت أن تلج قيادة الأحزاب السياسية، وطبعا هذه الفئة المستثنية إما نجدها مقربة من قادة الأحزاب أو من عائلاتهم، أو من أصحاب الملايير، ومن أسر رأسمالية احتكارية لهم وزن داخل المجتمع.
أما بالنسبة للأحزاب الصغيرة فالعكس.. نجد أن أغلب القياديين شباب، ومثالا على ذلك حزب النهضة والفضيلة، 80% من مناضليه وقياداته هم من شريحة الشباب، وأيضا حزب “الخضر المغربي”، وهذا الأخير في الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة جعل كل وكلاء اللوائح الإنتخابية بمدينة طنجة شباب.
هنالك أيضا مشكل آخر يكمن في الشباب نفسه، نلاحظ أن العديد من الشباب يريد أن يصل ويتسلق بسرعة، في حين إذا لاحظنا مسار القيادات السياسية البارزة نجد أنهم قطعوا أشواطا نضالية كبيرة جداً حتى وصلوا إلى مراكز القرار في الدولة، وداخل الأحزاب السياسية.
لقد أتيحت للشباب المغربي فرص عدة، خصوصاً بعد الحراك الديمقراطي الذي شمل المغرب إلى جانب باقي الدول العربية، وأدى إلى إحداث مجموعة من التغيرات الكثيرة، فتبين من خلاله دور الشباب في المشاركة السياسية والتغيير الديمقراطي بشكل واع، و أبان الشباب من خلاله على أنه يتمتع بدرجة وعي سياسي مهم، إلا أن المشكلة نابعة من مستوى وعي النخبة، وطريقة تعامل النخبة والأحزاب مع فئة الشباب، ويرجح هذا الأمر إلى كون الشاب غالبا ما يستعمل فقط لأغراض انتخابوية، بحيث تعتبره بعض الأحزاب خزانا بشريا لترويج الحملات الإنتخابية، و واجهة لإطلاق الوعود الكاذبة والمغرية للشريحة الفقيرة والمهمشة من الشعب المغربي، وحتى لوائح ترشيح الشباب في الإنتخابات على اختلاف أنواعها، هي لوائح ريعية بامتياز، تطغى عليها الزبونية والمحسوبية، كونها لا تخضع للمساءلة، ليبقى دور الشباب في التغيير هامشيا، ويستعمل فقط كوقود انتخابي محدد الصلاحية.
علاوة على ذلك يضل “عمالقة السياسة” أو بالأحرى الساسة الفاسدون أكبر كابوس للشباب، يحول بينهم وبين الإندماج في الحياة السياسية، فهم يملكون زمام الأجهزة التقريرية، و يتحكمون في تحديد الإختيارات و التوجهات، وهم رافعون لشعار دهس الديمقراطية الداخلية، و هو ما يشكل عائقا في وجه تجديد النخب و المشاريع المبتكرة للحلول، علما أن الفصل 7 من الدستور المغربي ينص على أنه : تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.
صفوة القول أن الحديث عن حضور الشباب في المشاركة السياسية، ضل حبيس الخطابات الرسمية لسنوات عدة، وإن تشدق الأحزاب السياسية باستقطاب هذه الفئة، لا يعدوا كونه مجرد تكتيك سياسي لأغراض انتخابوية، لأن غياب الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية الكبرى، وعدم المساءلة والمحاسبة خلف عند الشباب نوعاً من العزوف، ورغم تطلع فئة منهم إلى ولوج الساحة السياسية، إلا أن هنالك تحديات وعراقيل تحول بين تسلقهم جدار خوض غمار الحياة السياسية.