إيكو بريس – عبد الرحيم بلشقار
بدا لافتا في بلاغ الأمانة الإقليمية لحزب الأصالة والمعاصرة بعمالة طنجة أصيلة، الذي صدر يوم الجمعة 11 يونيو الجاري، عدم تسمية مرشح عن جماعة اكزناية التي كان يرأسها الرجل القوي في حزب الجرار، قبل توقيفه من لدن وزارة الداخلية وإحالة ملفه على القضاء الإداري الذي حكم بعزله في المرحلة الابتدائية، في مقابل سمت الأمانة الإقليمية مرشح مدينة طنجة للانتخابات البرلمانية كما حددت أسماء الأعضاء الذين تمت تزكية ترشيحهم لمجالس المقاطعات الأربع.
الباعث على الاستغراب في بلاغ الأمانة الإقليمية لحزب الأصالة والمعاصرة، يتمثل في مجموعة من المعطيات الدالة التي لا يمكن إغفالها من أي متتبع للشأن الحزبي في جهة الشمال، فالبورصة الانتخابية لحزب الأصالة والمعاصرة تهوى أمام أنظار القيادة الجهوية التي تكتفي بالتفرج على الوضع وعاجزة عن ضبط الوضع، إذ لا يخفى على كل متتبع حجم التشتت الداخلي الذي دب في أركان البام في مختلف أقاليم جهة طنجة تطوان الحسيمة، وما النزيف المتواصل للمنتخبين الكبار إلا مؤشر على التفكك التنظيمي بالشمال.
ومن جهة ثانية، يحق لكل مراقب للشأن المحلي أن يتساءل أيضا كيف أن القيادة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة على المستوى المركزي لم تتخذ أي إجراء ذي طابع تأديبي في حق الرجل، بل على العكس تماما جاء في تصريحات الأمين العام عبد اللطيف وهبي لوسائل الإعلام قوله “أنا لن أتخلى عن الإدريسي، كل ما هنالك أن مؤسسات الدولة تقوم بوظيفتها”، قبل أن يضيف “الإدريسي ما زال في الحزب ونحن سندافع عنه”.
تحيل هذه المواقف المتناقضة بين القيادة التنظيمية لحزب الجرار في العاصمة الرباط ونظيرتها في عاصمة البوغاز بأن هناك خلافات صامتة بين الطرفين بشأن التعامل مع قضية المستشار البرلماني أحمد الإدريسي. وإلا كيف يمكن تفسير الجفاء التنظيمي الحاصل على المستوى الداخلي، وذلك قبل ثلاثة أشهر فقط من موعد الانتخابات بينما كل القوى السياسية المنافسة رصت صفوفها الداخلية، وأعدت أسلحتها لخوض الاستحقاقات المنتظرة في شتنبر المقبل؟
زد على كل ذلك، أنه على الرغم من صدور القرار الابتدائي من المحكمة الإدارية بالرباط، فإن القيادة الوطنية للبام لم تصنف أحمد الإدريسي من الأسماء المغضوب عليها، والتي انتهى القرار في شأنهم بالطرد من الهياكل التنظيمية، كما تم مع البرلمانيين الستة الذين فك الحزب الارتباط بهم عقب تثبيت تهمة ارتكابهم “أخطاء جسيمة”، بينما الرئيس السابق لجماعة اكزناية والمستشار البرلماني بالغرفة الثانية، لم يرد اسمه في قائمة المطرودين، ما يعني أن البيت الداخلي ما يزال يتسع للإدريسي، فكيف يمكن تفسير موقف الأمانة الإقليمية للأصالة والمعاصرة إذن؟ هل طغت على مواقفها الحسابات الشخصية على حسابات الربح والخسارة في معترك السياسة؟
لا حاجة للتذكير بأن أهم المنتخبين الكبار باسم قبعة الأصالة والمعاصرة في الولاية الانتخابية المنتهية، يرحلون تباعا إلى أحزاب أخرى سواء في عمالة طنجة أصيلة، إقليم شفشاون، تطوان، المضيق الفنيدق، والعرائش، بل إن بعض المعطيات تتحدث عن أن فاطمة الحساني رئيسة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة في طريقها أيضا إلى التجمع الوطني للأحرار، علما أن غالبية الغاضبين لهم كلمة مسموعة لدى أحمد الإدريسي.
زد على ذلك، فإن الأصداء القادمة من جماعة اكزناية بقدر ما ارتاحت من إبعاد صهره مدير المصالح حسن تجعنوت، بقدر ما ترغب في عودة الإدريسي لضبط موازين القوى بعد الفراغ الذي خلفه غيابه عن تراب المجلس الجماعي، والذي استفاد منه مسؤول في الإدارة الترابية الذي ينتعش البناء الغير المرخص كالفطر في نفوذه الترابي. لدرجة أن عموم المواطنين وحتى الخواص الذي يزاولون نشاط التعمير والعقار، يتحسرون على غياب الإدريسي عن موقع المسؤولية الإدارية، ففي عهده على الأقل كانوا يحصلون على الرخص وينصرفون لأشغال البناء باطمئنان، أما اليوم فهذا الحق الدستوري ينتهك بأشكال مختلفة.
من ناحية أخرى، إذا كانت الأطماع الانتخابية من جانب الأحزاب المتنافسة، ترسم مقاعدها المضمونة والمحتملة على قدم وساق، فماذا تنتظر الأمانة الإقليمية لحزب الأصالة والمعاصرة بعمالة طنجة أصيلة، والتي وضعت كل بيضها في سلة شخصية مغمورة لا وزن لها من الناحية السياسية في المدينة، ولا من الناحية التنظيمية داخل بيت الأصالة والمعاصرة، ومع ذلك سلمتها مفاتيح اللائحة الانتخابية؟
إن التعويل على عادل الدفوف لا شك أنه سيكون رهانا خاسرا في السباق الانتخابي إذا لم يكن انتحارا أمام ديناصورات المشهد السياسي، وإن الاستهانة بقوة أحمد الإدريسي ومكانته الرمزية داخل البام مغامرة غير محسوبة العواقب، ولا أدل على ذلك هو التفكك التنظيمي الذي حل ب بيته الداخلي، وتشتت هياكله الإقليمية، بعمالة طنجة أصيلة على وجه الخصوص أكثر من أقاليم أخرى؟.
بالتأكيد هناك الكثير من التحولات السياسية في بلادنا تدفع في اتجاه تجديد النخب، لكن الحفاظ على بعض الوجوه التي لها وزن كبير داخل الأحزاب، لا يعني بالضرورة ترشيحها للانتخابات، فالإبقاء على أحمد الإدريسي في البام لا شك أنه سيعيد التمساك التنظيمي للأصالة والمعاصرة ويقوي شوكته من الناحية السياسية خصوصا في مفاوضات التحالفات، بل هناك من ينتظر عودة الرجل حتى تذوب كل الخلافات الداخلية كالجليد.
واستنادا إلى كل هذه المعطيات، يبدو أن تخلص حزب الأصالة والمعاصرة في جهة طنجة تطوان الحسيمة من هذه الورطة التي دخل فيها، رهين بتحرك الأمانة العامة على المستوى المركزي ووضع حد لوقوفها المتفرج على الحياد قبل فوات الآوان، فحلحلة الأزمة الداخلية قبل خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية يتأكد مع الوقت أنها ضرورة حتمية لاستعادة التماسك الداخلي واستعادة الثقة، وعنصر الثقة بالذات هو ما يرسم بشكل كبير مسار الأحداث ويعزز التوقعات قبل وبعد نتائج صناديق الاقتراع.