أيمن الزبير –
لم يكن عدد السيارات المركونة في شارع الأمير مولاي عبد الله يتجاوز الخمسة. من بينها “الرونو ٤” التابعة للإذاعة الوطنية و سيارة فولفو الأنيقة لصاحبها المحامي و الروائي بهاء الدين الطود، فضلا عن مركبات بعض المواطنين الذين كانوا يبحثون عن حلول لمشاكلهم في مكاتب المحاسبين و المحامين المنتشرين في بنايات البوليفار.
كان حينها الشريف البقالي الحارس الصارم المكلف بمنعنا من الاتكاء على أبوابها أو خدشها، و لم يكن يتردد في مسعاه هذا في استخدام كل أنواع الردع لفرض النظام و حماية ملك الغير. و لست أبالغ إن أكدت أن خشيتنا من غضبه تنامت عندما فتح جمجمة صديقنا عبد الله بحجارة اتخذت نفس المنحى الذي رسمه هدف روبيرطو كارلوس في مرمى الحارس الفرنسي بارطيز.
أمام هذه الصرامة اضطررنا الى نقل اجتماعاتنا “الزنقوية” الى جنوب الشارع حيث مرونة “با حسن” الذي كان أول رواد ثنائية حراسة و غسيل السيارات.
أما الليل فكان حكرا على “بيبيش” و كل سلالات الكلاب الضالة التي صارت مع مرور الزمن كلابا اشتراكية توفر الأمن بالليل و تصاحبنا في الصباح الى أبواب المدارس أحيانًا و الى ملاعب كرة القدم أحيانًا أخرى.
ثم انتشر الهيروين في طنجة و اضطر بعض ابناء حينا الى ارتداء السترات الصفراء لتأمين جرعاتهم، بينما كانت المدينة تكبر دون حسيب و لا رقيب. ما كان يوما مكتبات و متاجر لبيع التحف و التذكارات البديعة تحول الى محلات لطبخ كل الأكلات الدخيلة، فبات لزاما الاستعانة بجيش الحراس لتنظيم السير و توفير موقف مريح في شوارع ضاقت بأهلها.
اقتنع الوافدون الجدد بأن حاجيات السوق أكبر من كسل “الجونكيس” الذين ينسحبون باكرا الى بيوتهم، فكان أن استعانوا بأطفالهم و أبناء عمومتهم للاستفادة من عائدات قطاع لم يعد يقتصر على ركن السيارات.
تحول الحارس الى خبير في إعداد التقارير الأمنية، و وسيط إيجار في أرقى الشوارع، و ساعد صلب لنقل الأثاث، و صوت جهوري في ساعات البلطجة.
و بعد كل هذه الخدمات يراد له الانسحاب من الفضاء العام دون استحضار أسباب العشوائية. ليس الحارس المزعج سوى ابن المدرسة التي لم تشيد، و المستشفى الذي لم يجهز، و الطريق التي لم تكتمل، و الماء الشروب الذي لم يصل، و العدالة الاجتماعية التي لم تتحقق.
حتى و إن غادر المكان، ستصادفونه يؤجر المظلات في الشاطئ البلدي أو يشوي نقانق كلاب الوطن.
*إعلامي مغربي من مدينة طنجة مقيم في مدريد