إيكونوميك بريس – متابعة
يتوقع الباحث والأكاديمي عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاضي عياض، سقوط نظرية اقتصاد السوق القائم على البحث عن العملة الصعبة، ويبين أن الأزمة الحالية أظهرت أهمية تحقيق الأمن الغدائي.
اكتشفنا إلى حدود اللحظة أهمية قطاعات كادت أن تفوّتها الدول بشكل كامل، والحديث بشكل أساس هو عن قطاع الصحة والبحث العلمي في المجال الطبي، حيث استفاق العالم على نقص كبير في مرافقه الصحية، أو على الأقل ثبت بالدليل أن الدول – وفي أحسن الأحول – لم تهيئ للمجال الصحي إلا ما هو صالح للأوقات العادية.
غير أن هناك مجالات أخرى لن ندرك أهميتها إلا فيما بعد، خاصة إذا ما طالت الأزمة أو خلال معالجة تبعاتها، والحديث هنا بالأساس هو حول القطاع الفلاحي، إذ من الواضح أنه بدوره عرف تضررا بشكل كبير بفعل ثقل العولمة، خاصة مع النحاج النسبي للنظرية القائلة بأن الأهم بالنسبة للدولة هو توفير العملة الصعبة، والتي بها يمكن استيراد كل الحاجيات من السوق الدولية وبأثمنة أقل مما تكلفه المنتجات محليا، وهكذا بدأ التحول نحو القطاعات التي توفر العملة الصعبة وليس من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، فلاحظنا توجها نحو المنتجات التي يتطلبها السوق الدولي (الحوامض، الورود، الفواكه، الطماطم…)، وتم تفكيك أو إيقاف العديد من الوحدة الصناعية الغذائية (معامل السكر مثلا).
لكن يبدو اليوم أن نظرية العملة الصعبة لم تعد قادرة على الصمود، بل إنه خلال الأزمات ستصبح نظرية الاكتفاء الذاتي هي الأكثر طلبا، فالدول لن تفرط في احتياطها الغذائي، خوفا من المجاعات، سيما فيما يتعلق بالمواد الأساسية (القمح، الخضر، مواد العلف، المواشي…)، وحتى إذا رغبت في ذلك بعض الدول، فإن تنقل البضائع عبر العالم لن يكون آمنا، وما حدث مؤخرا من قرصنات لبواخر الأدوية والمزايدات طالت حتى الدول المتقدمة ورفض العديد من الدول بيع جزء من احتياطها الدوائي خير دليل على أن التجارة العالمية لم تعد مستقرة.
لذلك أصبح ملحّا على الدولة أن تعيد النظر في الكثير من الأفكار الاقتصادية، وأن يرجع الاهتمام أكثر لما يحقق الاكتفاء الذاتي حتى وإن لم يحقق الرفاهية، وأن لا نتبع اقتصاد السوق في كل طرقه، وأن لا ننجر وراء رغبات الشركات المصدرة التي يعشق أصحابها الربح السريع (فلنلاحظ مثلا حجم المياه الذي تستهلكه بعض المنتجات الفلاحية وتأثير ذلك على الفرشة المائية).
ولئن كان صحيح أن التاريخ سيكتبه المنتصرون على فيروس كورونا طبيا، فالصحيح أيضا أنه لن يكتبه إلا الذين لديهم القدرة على مجابهة التبعات الاقتصادية الذي ستعقب الأزمة الحالية، التي ما هي في الحقيقة إلا ناقوس خطر بالنسبة للجميع لكي يعاد النظر في بعض الأفكار والممارسات والاقتصادات والسياسات.