الاستاذ: عثمان الطويل
بعيدا عن المزايدات السياسوية الرخيصة، والرهانات الانتخابوية الخاسرة، نقول لمن يتفكر ويذكر: إن ملف التعاقد بيد جهات عليا، وتنزيله جاء عقب مجلس وزاري، وحل هذا الملف الحارق الذي يهدد السلم الاجتماعي بيد هذه الجهات.
ومادام أن هذا النمط من التوظيف، ثبت لمن أشرفوا على تنزيله أنه نظام يكرس الهشاشة الوظيفية، ويزحزح المكانة الرمزية للموظف العمومي، لصالح نظام السخرة الذي يسود التوظيف الخصوصي، فإن أول الدواء لعلاج هذا الوباء، هو قطع ذابره وكي جرحه الغائر.
وبما أن دولتنا المبجلة تخضع في كثير من قراراتها لإملاءات الصناديق الرأسمالية المانحة، والتي تلزمها تقليص كتلة الأجور، وتدفعها لجعل أهم القطاعات العمومية الحيوية(التي لا تنتج الثروة بمفهومها المادي الصرف) كالصحة والتعليم، قطاعات شبه عمومية، تدبر بمنطق القطاع الخاص، ود الذي يعتبر عامل الربح وتطوير الإنتاج المادي أحد مرتكزاته الأساسية، وسبب وجوده، كان الأجدر بنا كدولة تسعى نحو السيادة أن تطور آليات الاشتغال من داخل القطاع الخاص أولا، وذلك بتعديل مدونة الشغل، وتجسير فلسفة جديدة في العلاقة الشغلية، تقطع فيها مع مفهوم الحلقة الأضعف(الأجير) وتلزم طرفي العقد بالتزمات تحفظ استقرار واستمرار الشغل، وتحمي حقوق الأجير كافة. ومن جهة أخرى تمنع العمل بعقود محددة المدة، مع إلزام القطاع الخاص بأداء نفس قيمة الأجرة التي يتحصل عليها موظفو القطاع العام، وأعني هنا أجور الموظفين البسطاء المسحوقين المفقرين، لا الذين يسمون “كوادر” في العام الخاص، فهؤلاء لهم وضعية خاصة، وعددهم محدود.
لذلك كان على صاحب القرار؛ المشرع، المنفذ، الحكم(الدولة) وقبل إبداع هذا النوع من التوظيف”شبه العمومي”؛ التوظيف بالتعاقد، التوظيف الجهوي، الإقليمي، المحلي، سميه ما شئت، فالتسمية لا تغير من واقع الهشاشة والهوان شيئا، قلت كان الأجدر به إصلاح منظومة القطاع الخاص أولا، وباعتقادي، فإن مدخل إصلاح هذا القطاع، يكمن في سن رقم استدلالي موحد يؤطر منظومة الأجور في القطاعين العام والخاص، بمعنى أن الدرجة 2 والرتبة 1، يجب العمل بها في القطاعين معا، مع إلزام المآجر(المشغل) باحترام بنود مدونة الشغل، والتي يجب نسخها من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، خصوصا ما يتعلق بالحقوق التي يضمنها هذا النظام الأساسي، حينها سيترك المجال للاختيار، وتكون مسوغات إبداع نمط جديد للتوظيف العمومي، فيه بعض من الواقعية، والتي تجعل من واقع التوازنات الماكرواقتصادية هاجسها الأول.
بيد أن هذا المعتقد يظل حلما ورديا، نظرا لكون الباطرونا ومن يحمي مصالها الاستراتيجية، ونظرا لاعتبارات “تحَكمية” لن يسمحا برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، بما يعادل الدرجة 2، الرتبة 1.
وعليه فإن الوظيفة العمومية ستظل بالنسبة لأبناء الشعب المفقرين، بر أمان يوفر لهم-فقط- الاستقرار الوظيفي، وما يترب عنه من استقرار نفسي واجتماعي، في انتظار أن يناضل أبناء هذا الوطن الجريح عن ما بعد الخبز؛ النضال من أجل الحريةو الكرامة، ورفاهية العيش، وقد رزق الله وطننا الحبيب بثروات ضخمة، تكفي لتوفير الخبز الطيب لكافة المغاربة وتزيد، دون إذلال أو من من أحد.
وعندما تحقق الدولة هذا الإنجاز العظيم، يحق لها إبداع ما تشاء من أنماط التوظيف، مادامت كلها، بخاصها وعامها تضمن الحد الأدنى للعيش الكريم.
وإلى ذلكم الحين، فإن معركة إسقاط مخطط البنك الدولي في التوظيف مستمرة، ولا بديل عن حماية مكانة ورمزية الوظيفة العمومية.