إيكو بريس – متابعة
بدأت تظهر الأعراض الجانبية لبناء تجمعات عشوائية دون احترام التخطيط العمراني للمدن الحديثة، فقد وجد مدراء مؤسسات تعليمية تقع وسط الأحياء العشوائية في مقاطعة بني مكادة بطنجة، أنفسهم مطوقين بمقتضيات مذكرة وزير التربية الوطنية، السعيد أمزازي، بشأن تعديل الخريطة التربوية للمؤسسات التعليمية برسم الموسم الدراسي الحالي 2020-2021، والتي حصرت عدد التلاميذ في كل فوج حضوري وفق مبدأ التناوب، في 22 تلميذا كأقصى حد في كل قسم.
وأفادت مصادر تربوية تحدثت لموقع “إيكو بريس”، أن مدراء المؤسسات التعليمية المتواجدة في الأحياء السكنية المكتظة جدا، مثل حومة “الحداد”، “العوامة الشرقية”، “ظهر القنفوذ”، “موح باكو”، “حومة السوسي”، “سيدي ادريس”، “بير الشيفا، “المرس”… عجزوا عن التوفيق بين مقتضيات المذكرات الوزارية بشأن التمدرس في ظل حالة الطوارئ الصحية، وبين متطلبات الواقع الذي لا يرتفع، حيث يوجد المئات من التلاميذ في قوائم انتظار أمكنة شاغرة للالتحاق بمقعد دراسي، خصوصا المستوى الابتدائي والإعدادي.
ومن بين المؤسسات التربوية التي تعاني الاكتظاظ المهول وما تزال لديها طلبات التحاق تلاميذ جدد، إعدادية عبد الله بن ياسين، وعبد الله كنون، والإنبعاث، الخواريزمي… وغيرها من المدارس، إذ في الوقت الذي مضى أكثر من شهر ونصف على بداية الموسم الدراسي، ما تزال فئة من الأطفال لم تطأ أقدامهم فصول الدراسة، ينتظرون عملية الإحصاء بالتنسيق مع مصالح المديرية الإقليمية، من أجل إيجاد صيغة مناسبة لامتصاص الفائض من الأطفال في سن التمدرس.
وفي غضون ذلك، تتحسر أمهات وأولياء أمور على أبناءهم خشية عدم قدرة المدارس على استيعاب طلبات التحاق أبناءهم في إطار حركة انتقالية داخل المدينة أو انتقالهم من مدن أخرى، في حين اضطرت بعض الأسر إلى إرسال أطفالها المتمدرسين في الابتدائي إلى مؤسسات بعيدة عن مناطق سكنهم بحثا عن مقعد الدراسة، لكن أسر أخرى لم تستطع مسايرة تكاليف وسائل النقل، ووجدت نفسها مجبرة على إخراج أطفالها من المدرسة، وتأجيل تمدرسهم إلى الموسم المقبل.
المثير هو أن الأحياء المذكورة، حضيت سنة 2014 بتدشين ملكي خصص لإطلاق مشاريع بناء بناء 14 مؤسسة مدرسية، و11 وحدة للتعليم الأولي، بهدف توسيع العرض المدرسي والرفع من جودة التربية غير النظامية بمدينة البوغاز، لكن خلال السنوات الست الماضية، تضاعف النمو الديموغرافي والعمراني بنفس المناطق، وعلى الرغم من افتتاح تلك المدارس أبوابها، لم تكن كافية لامتصاص الأطفال الجدد الذين وصلوا سن التمدرس.
وقال مفتش تربوي في حديث مع الموقع تعليقا على هذا الوضع، إن معضلة الهدر المدرسي والاكتظاظ الناجم عن الطلب المتزايد على المدرسة، هو إفراز طبيعي لظاهرة الأحياء العشوائية التي تبنى في جنح الليل بتواطئ بين منتخبين ورجال سلطة، لكن تداعياتها الاجتماعية سرعان ما تنفجر في السنوات القليلة الموالية، كما هو الحال في المناطق المشار إليها والتي تعاني من ارتفاع مهول في ظاهرة الهدر المدرسي، ومغادرة الأطفال في سن مبكرة لحجرات الدراسة، والوجهة معروفة طريق الانحراف، أو شبكات التطرف، يقول المتحدث.
وتساءل نفس المصدر كيف سنصل إلى مجتمع تنويري ومثقف في تجمعات سكنية لا تتوفر على أبسط مقومات العيش الكريم، وتفتقر للمرافق التعليمية الكافية، وتنعدم فيها المرافق الثقافية والأنشطة التربوية الموازية، مضيفا بأن رهانات تجويد العرض التربوي والرقي بالجودة التعليمية وتوسيع العرض المدرسي بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف الدولة، تبقى ناقصة إذا لم يتم ضبط خريطة التزايد السكاني في مدينة جاذبة للاستقرار المعيشي.
تبقى الإشارة إلى أنه في إطار مشروع “طنجة الكبرى”، الذي أطلقه العاهل المغربي الملك محمد السادس، أعطى اهتماما كبيرا بأجيال المستقبل، من أجل الرقي بالمنظومة التعليمية وتحسين أدائها وتدارك الخصاص الذي يعانيه العرض المدرسي، وعلى إثر ذلك، تم تشييد 14 مؤسسة مدرسية، لكن تلاعبات بعض المنتخبين في هذه الملفات التي تبيض ذهبا، تعرقل كل الجهود المبذولة لتنظيم السكان فوق جغرافية مدينة طنجة، وبالتالي تحول دون تحسين شروط العيش للمواطن.