إيكو بريس عبد الرحيم بنعلي
عندما تصاعدت أصوات منتقدة ومنددة حتى، بلجوء المقاولين الصغار لكراء سراديب تحت أرضية، لاستغلالها في المجال المهني (تجاري أو صناعي)، ربما لم يفتشوا في الأسباب المؤدية إلى ذلك، وما إذا كانت أملتها ظروف قاهرة أم كانت أمامهم عروض اختيارية.
ولو فعلوا، لاصطدموا بعراقيل كثيرة تحول دون الشركات الصغيرة جدا، كراء فضاءات في المناطق الصناعية تتوفر فيها كل شروط الصحة والسلامة وناقصة المخاطر الممكنة، هذا إذا كانت الدولة تتوفر على أماكن كافية لاحتضان الطلب المتزايد على الاستغلال الصناعي، من طرف المقاولات الناشئة والشركات الصغيرة.
قد لا يخفى على كل متتبع للشأن المحلي في مدينة طنجة فحش الغلاء في العقارات، سواء للكراء أو للشراء، لأسباب متداخلة يساهم فيها الرأس المال المجهول المصدر في سياق عمليات تبييض الأموال.
وفي سياق سعيها لكشف بعض التحديات والعقبات التي تواجه المقاولين الصغار الباحثين عن الاستقلال الاقتصادي، وتشغيل اليد العاملة في مشاريع صغيرة، وقفت صحيفة “إيكو بريس” على فوارق فاحشة في أسعار الفضاءات المعروضة للكراء في مدن إسبانية، وبين أسعار المحلات الموجهة للأنشطة التجارية والصناعية، في مدينة طنجة.
وتفيد الإعلانات المنشورة على مواقع الترويج لعروض الكراء، أن سرداب تحت أرضيا تقدر مساحته بـ 370 متر، ويتواجد في طريق الرباط، أي في مكان غير بعيد عن مكان فاجعة معمل الخياطة، أن سعر الإيجار الشهري، يبلغ 15 ألف درهم، أي ما يعادل (1500 يورو)، بينما في مدن إسبانية توجد عروض تنافسية أرخص بكثير لمحلات بمواصفات أفضل منها، على سبيل المثال محل مساحته 436 متر مربع، بسعر ل850 يورو، أي حوالي 9 آلاف درهم شهريا.
أما عروض كراء مستودع مخصص للنشاط الصناعي، في منطقة امغوغة على سبيل المثال، فإن فضاءا مكونا من طابقين، يتوفر على تهوية ومخرج للإغاثة وشروط معقولة للسلامة، فيصل سعره 10 ملايين سنتيم، أما العروض المماثلة حسب مواقع متخصصة في العقارات بإسبانيا فإن مستودعا مساحته 1400 متر مربع، فإن سعره يبلغ 2500 أورو، أي حوالي 3 ملايين سنتيم مغربية.
من خلال تلك الفوارق الفاحشة في أسعار الكراء، قد يتضح للمنتقدين والمنددين بلجوء المقاول الشاب الثلاثيني، مسير شركة AM confection ، إلى كراء سرداب ومحل سفلي لاحتضان مشروعه الصغير، والذي كان يضم 65 آلة للخياطة، كما صرح لنا بعض عماله، لكون المحل المذكور منخفض التكلفة، ويناسب قدراته المالية لإنشاء معمل صغير للنسيج والألبسة، وأيضا بسبب غياب مناطق صناعية لفائدة المقاولات الصغيرة والصغرى جدا.
إن فاجعة مدينة طنجة، والتي شكلت مستهل اجتماع المجلس الوزاري الذي أعطى فيه الملك محمد السادس تعليماته لوزارة الداخلية، مناسبة لأم الوزارات بالتنسيق مع وزارات الصناعة والجماعات المحلية لتهيئة بقع أرضية وتجزئات صناعية تناسب إمكانات المقاولين الصغار، أو تدخل وزارة الداخلية بشكل مباشر لتنظيم الأسعار المتجاوزة للسقف العقول.
وإذا ما سارت الإصلاحات التنظيمية والإدارية في اتجاه التسهيلات الملائمة لفئة المقاولين الصغار، كما هو الحال في جارتنا إسبانيا، من أجل الولوج لأكرية في متناول القدرة المالية، لا شك أن هدا الورش الإصلاحي سيشكل أحد المداخل الأساسية للقطع مع مظاهر التسيب والفوضى الذي تعيشه مدينة طنجة على الخصوص، والتي تشهد تماهي القيم الجشعة والرأسمالية، والتي تكون عوامل مساعدة على وقوع فواجع أليمة كما وقع يوم الاثنين الأسود.