إيكوبريس محمد الحياني –
كثر الحديث في عصرنا هذا و كثرت الكتابات و التشريعات حول حقوق الإنسان ، و لم يعد خطاب حقوق الإنسان مقتصرا على الشعوب فقط.. بل أصبحت الحكومات كذلك و الأنظمة تعين وزارات و لجان و مجالس تحت طائلة “الدفاع عن الحقوق المنتهكة” ، متجاهلة بذلك الإشكال الرئيسي التالي ، “إذا كانت السلطة السياسية هي من تملك القدرة و الوسائل و الآليات لتحقيق تلك الحقوق و ضمان سيرها على منوال قانوني تسطره الدساتير و القوانين و الإلتزامات و الإتفاقيات الدولية ، فلماذا إذن تفريخ مؤسسات في هذا الشأن؟ ألا يعتبر ذلك تناقضا عاريا؟”.
كما تعددت الجمعيات و المنظمات غير الحكومية المحلية و الدولية العاملة في هذا الحقل ، و أصبح لها دور رائد و مهم سواء في التأثير على الحكومات من أجل تغيير سياساتها ، أو من حيث استغلالها.. إن بوعيها أو دونه ، من طرف جهات معينة لتحقيق مآربها ، أو في تأدية الدور الذي صنعه لها النظام الدولي الجديد “نظام العولمة” ، فأصبح هذا الموضوع في عصرنا الحالي ذو أولوية حتمية وسط المجتمع الدولي بعد أن كان شبه منعدم في القرن الماضي.
و ما تجدر الإشارة إليه أنه كان الدور لعدة عوامل في بروز هذا المفهوم الجديد “حقوق الإنسان” ، و لعل من أبرزها التحولات الإيديولوجية و الفكرية التي ظهرت إبان فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ففي أواخر القرن الماضي و مطلع هذا القرن كان ينظر إلى الإشتراكية على أنها المخلص السماوي كحل أسمى للمعضلة الإجتماعية و الإستبداد الطبقي و الطغيان الرأسمالي ، و كان الحل الإشتراكي العادل للمسألة الإجتماعية يمر عبر “تأجيج الصراع الطبقي محليا و دوليا” ، و كان الناس بناء على ذلك ينظرون إلى العمل الإنساني الذي تقوم به بعض الجمعيات الخيرية نظرة ملؤها الشك و الإزدراء ، أما اليوم بعد أن توارت نظرية الصراع الطبقي ، و فشلت التطبيقات التي أجريت باسمها ، و اهتز عرش الإشتراكية و دخلت جل نظرياتها في أزمة حقيقية و بالتالي دخلت متحف التاريخ ، برزت المنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية و منظمات حقوق الإنسان و المنظمات العربية لتقدم نفسها كقطاع جديد مؤثر ، قطاع يحمل على عاتقه مهمة التخفيف من وقع الإستبداد السياسي و الظلم الإجتماعي على الطبقات المستضعفة ، و التحدث باسمها في المحافل الدولية .
إن المصدر الجوهري لتنامي ولادات المنظمات الحقوقية اليوم بدول العالم الثالث ، هو توغل النظام العالمي الجديد “العولمة” ، هذا الأخير معلوم أن بداياته كانت بعد تهاوي الثنائية القطبية و بروز الأحادية القطبية الغربية ، و طبعا تحت مسمى الإنفتاح ، يتم تصدير المفاهيم الأساسية له إلى دول العالم الثالث ، التي لازالت جل بلدانه إلى اليوم تنفض عن رداءها بقايا المفاهيم الإستعمارية ، و هذا هو ما يفسر التكاثر المهول للمنظمات و الجمعيات الحقوقية ، فحتى و إن كانت السلطة السياسية في هذه البلدان محدودة القدرات ، بل و لأمانة المعلومة حتى و إن كانت الحقوق منعدمة في هذه البلدان ، فلا بد أن توجد منظمات تغرد في المحافل المحلية و الدولية بإسم حقوق الإنسان .
و رغم الدور الفعال الذي ذكرته حول منظمات حقوق الإنسان ، و ما تطرحه من إشكالات راهنة تعري واقع بعض بلدان العالم الثالث ، إلا أنها لم تستوعب بعد أن سيادة القرار السياسي في هذه البلدان مرهونة بمدى وعي المجتمع و وقوفه في وجه الإستبداد ، و بدل السعي المتكرر خلف التأثير على الحكومات و الأنظمة ، عليها أولاً كسر حاجز اللاوعي عند شريحة عريضة من شعوب دول العالم الثالث ، و على أي حال كانت هذه المنظمات من القوة ، فلن تكفي قوتها لردع الظلم و الإستبداد ، لأنها لا تملك الوسائل و الآليات الكافية و المؤثرة التي بإمكانها إبدال الواقع .
ليبقى الإشكال الرئيسي عالقا ، “إذا كانت السلطة السياسية هي القادرة على إيتاء الحقوق حسب القانون ، و هي الأكثر ضمانا لإستمرارية دوران عجلة الحقوق و الواجبات داخل المجتمع ، فلماذا إذن تفريخ مؤسسات مع وقف التنفيذ تحت طائلة الدفاع عن الحقوق المنتهكة ؟”
* طالب جامعي سنة أولى شعبة القانون